الفصل الثاني من متاهة ( الانسان والحياة)
تحدثنا في الفصل الاول عن الانسان والآلة ، واتفقنا معا ، على ان الانسان قد حفر قبره بيديه، ولن نذهب بعيدا في متاهات وغياهب الحياة اللا معروفة ، ولكن يقول البعض ان غرائز الانسان وفطرته المتراكمة والمتوارثة منذ زمن بعيد هي التي تصعد به دائما نحو سماء الارتقاء والاكتشاف والابداع ، ويحاول الانسان في ايامنا هذه ومنذ امد بعيد ان يصل الى حقائق عدة في هذا الكون الغريب والبعيد في قربه بأسراره الخفية ، إن الانسان نشأ كتلة من تراب وحذا منذ نشأته على أن يصنع شيئا لحياته ارقى من صورته القريبة من منهج عيش الحيوان ، وبصفة ان الانسان يستطيع التفكير والنطق والبحث ، بدا جاهدا وراء ما تحيك له الطبيعة من صور في منظرها او في خياله نحوها وفي اعماقها ، فقد بدا يحاول ان يصنع كل شيء يشعر بأنه ينقصه في مسيرة حياته القصيرة ، فتراكمت تلك الصور في مخيلته كأشياء بسيطة ثم توالت مع مرور الزمن والعصور على ان تكون اعظم الاشياء هي ابسطها في حياته ، ولكننا نلاحظ اليوم ان الانسان رغم ما وصل اليه من علم وفكر وابداع ، ويحاول السمو والرقي بالانسانية الى اعظم مراتبها وعلوها ، ولكن اذا كان الانسان يفكر بتسهيل كل شيء على البشرية ، وتمكينها من ممارسة حياتها الطبيعية بكامل وبأرقى واعظم الاشياء التي تحتاجها يوميا ، فلماذا يشغل تفكيرنا هذا السؤال دائما ( الحرب والانسان) لماذا يفكر الانسان دوما في صنع السلاح المتطور والفتاك دوما ، ولمن، وما الذي يدفعه لهذا؟
من منا يعشق حب القتل والتدمير والتخريب ، ومن منا يفكر دوما في اكتساح البشرية والسيطرة على العالم بمفرده ، وان كان هذا طموح انساني راق ومهم بالنسبة له ، فكيف سيعيش بمفرده وبتفكيره القتال والساعي نحو التدمير والاكتساح ، لا شك ان هناك دافعا ، مهما كان الانسان عالما ومفكرا واديبا انسانيا بروحه وعقله وقلبه ان يبحث دوما عن السيطرة وحب التملك الابدي لكل ما يحلم به.
ان الانسان في الدولة المتطورة والمتقدمة من نواح تكنولوجية خارقة وبأعلى القدرات ، يحلم دائما ان يكون العالم كله حتى والكون كله بالسيطرة عليه .
لماذا؟ سؤال يخترق عالمنا الانساني والحسي البشري الى عالم الغرابة والشك الكبير
ان الانسان بطبيعته الاولى بني على اساس الاستغلال والطمع وحب التملك والسيطرة ، وفي عالمنا اليوم يسعى الانسان دوما للاستغلال ومد النفوذ على بني جنسه ، ولو استطردنا قليلا تفكيرنا من ناحية بشرية الى عالم الحيوان ، لربما كان عالم الحيوان راضيا وقنوعا بحياته اليومية فقط ، انه لا يفكر في صنع السلاح ولا يحلم ان يقتل ملايين الحيوانات لكي يأكل قوته او يجني لقمة عيش صغاره او يسعى للسيطرة الابدية على كل شيء في عالمه ، ولو فكر الحيوان يوما ان يقف ضد البشرية فهل يستطيع تطور البشرية وسلاحها الفتاك ومقدراتها العسكرية ان تقضي على عالم الحيوان كحربا ضروسة وفتاكة بين بني البشر والحيوان ؟
لا شك ان هذا ضرب من الخيال والمستحيل ، ولكنه لو حصل يوما ما ، ماذا سنفعل؟ وما هي قدرة عقلنا الانساني ان يصدق ماذا يحدث الان؟
ان الانسان ينجر في سيل المستقبل الزمني الى ما لا نهاية ، ولكن هل المستقبل كما تحدثنا سابقا شيء حقيقي ام خيال الزمن واضغاث احلام احلام البشرية ؟
المستقبل هو ذلك الزمن الذي لم يصل بعد ، اذا كنا آملين ان يكون جميلا وافضل من الزمن الذي نحن فيه ، اننا نبحث دوما عن اشياء لا تعني الكثير لنا ، ولكن حينما تحدث نفكر كيف سنحلها؟
هذا هو المستقبل ، هو الزمن الذي ننتظره لان يصلنا وحينما يصلنا يصبح الان لا غدا ، ونظل نبحث ونحن كل يوم في المستقبل عن المستقبل نفسه.
لا تكفي عظمة الانسان احيانا بأن يكون عظيما فعلا، ولا يكفي علمه وعقله الخارق والمتطور ان يكون كذلك دوما ، لماذا لا يفكر الانسان بالخير والجمال والاشياء الراقية تسابقا على الافضلية، لماذا يرى ان الافضلية دوما هي السيطرة والحرب والقتل واستباحة كل شيء اضعف منه بكثير ، لماذا تحاول دولة ما ان تأكل دولة اخرى ، ولماذا يرى البشر احيانا ان البشر من ابناء جنسهم البشري اختلافا في اللون والدين والعرق والمنطقة انهم لا بد ان يزولوا لنبقى نحن ، فنحن الافضل لا هم ، ونحن نستحق الحياة لا هم ، لو منحت الانسان شيئا من القوة التي تمتلكها والعلم والمال والتطور ، لاصبح لا فرق بين احد على الاخر ، ولاصبح الانسان يفكر دوما في اتجاه التطور والافضلية نحو شيء هادف وله قيمته الجمة على الانسانية بكاملها .
هنا نتصور الانسان انه لا انسان ، ويحتاج الى الكثير من العوامل الزمنية والحسية والروحية التي يجب ان تصقله من جديد ليصبح انسانا حقيقيا نشعر به ونلمس من تصرفاته وافكاره واعماله انه يفكر فعلا بطريقة الخير والفكر السامي والابداع السليم.
الانسانية وجدت من ملايين السنين وبدأت تنشأ وتكبر وتتطور اولا بأول ورويدا رويدا ، الا في مرحلة ما ، فقد قفزت قفزة نوعية من العدم الى الوجود الحقيقي وهي فترة لا تتجاوز 200 _300 سنة فقط كانت متوالية بصورة واضحة امامنا ، فلو قرأنا التاريخ كله وتمعناه مهلا وبدقة ، لوجدنا ان الانسان كان بدائيا نوعا ما قبل هذه الفترة ، ومن خلالها اصبح متسارع النمو الفكري والتطور والابداع والاختراعات ، فهل هنا نستطيع القول ان الانسان بدأ في القرون السابقة الى الان بصورة تختلف كليا عن ما سبقه من مراحل زمنية بفترات كثيرة وكبيرة جدا ، ام ان الانسان تخمرت هذه الاشياء والصور والخيالات في عقله الباطني وانفجرت كما البركان في آن معا ؟
ننتظر اجاباتكم على هذا الفصل ( الفصل الثاني ) من متاهة الانسان والحياة ........
وشكرا لكم جميعا