منتدى كفرعين
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى كفرعين

اهلا وسهلا بكم في منتديات كفرعين الثقافية والعلمية والاجتماعية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قـــــطــــ ـــــــرات الــنــد ــى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
معزوفة على وتر الحنين
عضو فضي
عضو فضي
معزوفة على وتر الحنين


عدد المساهمات : 684
تاريخ التسجيل : 17/08/2011

قـــــطــــ ـــــــرات الــنــد ــى  Empty
مُساهمةموضوع: قـــــطــــ ـــــــرات الــنــد ــى    قـــــطــــ ـــــــرات الــنــد ــى  Icon_minitimeالإثنين أغسطس 29, 2011 8:07 am

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


ارتسمت صورتها في المرآة أمامها وارتسم معها بوضوح القلق والتهجّم الحزين الذي غلّف قسمات وجهها.
رفعت (ندى) إحدى يديها بحركة آلية إلى جبينها وأخذت باليد الأخرى تقلّب صفحات مجلة الأزياء. وعلى الرغم من أن عينيها كانتا تنتقلان من صورة إلى أخرى، فإنّ فكرها كان يسرح بعيداً كل البعد عن المجلة وما فيها!! فهي مازالت مشتّتة الفكر، شاردة الذهن، تدور في دوامة من الأفكار تعتصرها إعتصاراً، تراوح بين ذكريات الأمس القريب – الجميلة الحلوة – وتقف عند الحاضر المباغت المؤسف، لا تدري هل سيكون المستقبل عودة إلى الماضي الجميل، إلى أمنيتها – أم ستتّصل خيوطه بحاضرها المؤسف؟!
كان هذا هو الهاجس المرعب الذي يؤرّقها!..
ومرّة أخرى، رفعت عينيها إلى المرآة فبانت صورتها مطبوعة على زجاجها، ذابلة تخيّم على جبينها سحابة داكنة من الحزن العميق، وتنطق عيناها بالجزع والخوف. لم تكن قد مشطت شعرها كما كانت تفعل، فظل أشعث متهدّلاً بغير إنتظار، كما لو كانت قد استفاقت للتو من النوم!..
لم يكن أحب إليها من الجلوس أمام المرآة لتصفيف شعرها وتجميل وجهها بالمساحيق والأصباغ المرصوفة أمام المرآة، لكي تخرج إلى الشارع هي في أتمّ زينتها وأجمل فساتينها، عارضة حسناً رائقاً وجمالاً رائعاً! نعم كانت تقضي معظم وقتها أمام المرآة.. وكانت أجمل أمنياتها أن ترى نفسها وقد أصبحت أجمل الجميلات، في تسريحتها، وتقاطيع وجهها، وثيابها وحليّها ورشاقة جسمها.. ما كانت تفكّر بشيء آخر، وما كانت تهتم بالحياة إلا في تلك الحدود.. الجمال في الوجه، والجمال في الثياب، والجمال في الحلي، والجمال في كل الظواهر.
ما كانت (ندى) ترى شيئاً أعزّ عند المرأة من جمالها وصورتها وقامتها وأزيائها، فهذه عندها فوق كل إعتبار وكل قيمة.
لذلك ما كانت تتعب من إقتناص أحدث مستحضرات التجميل وتصاميم الشعر لكي تبدو في كل يوم، بل وفي كل وقت من اليوم، بشكل جديد وصورة جميلة خلاّبة تأسر عيون الرجال، وتجتذب نظراتهم الجائعة، ولشد ما كان يطربها الإستماع إلى عبارات الإطراء والمديح والثناء على ثيابها ورشاقتها.. وأحياناً كانت تبقى اليوم كله تستعيد تلك الكلمات (المعسولة) وترسم الخطط الجديدة للقفز إلى أعلى سلم أجمل الجميلات. وكلما زادوا لها من كلمات الإطراء زادت هي ثقة بجمالها وبكونها قد ارتفعت درجة أخرى من درجات السلم، فيطفح البشر والسرور على وجهها لإنتصارها في هذا السباق الأنثوي الرخيص!
وعلى حين غرة يداهما هذا المرض الجلدي، وإذا به يعبث بجمال بشرتها الرطب، ولا تعود المساحيق والأصباغ تنفع في إخفاء ذلك عن العيون بل لم يعد بإمكانها التعرض للشمس والهواء في الشارع، ولا التعري وكشف مفاتن جسمها أمام الأنظار... فالمرض بدأ ينتشر هنا وهناك، وأشعة الشمس كانت أشبه بالإبر تنغرز في المناطق الحمر من جسمها أمام الأنظار.. فتزيدها ألماً وعذاباً!.
كانت تلك أوّل ضربة تتلقاها في حياتها، فزال انشراحها وبهجتها، واستحال فرحها وزهوها إلى عبوس دائم وكآبة ثقيلة ملازمين دوماً.. فرض عليها المرض حصاراً قاسياً، فتورات عن أعين الناس.. لا تريد أن ترى أحداً، ولا أن تسمع كلمات الأسف والتحسر والرثاء... كل شيء غدا يثير حزنها ويلهب جذوة الغضب فيها.. أخذ القلق ينشب أظفاره فيها، ويهصرها العذاب هصراً وهي على أحر من الجمر إنتظاراً للشفاء.
ولكن الأيام مضت دون أن تحقق أمنيتها في الشفاء السريع والعودة إلى (أيام زمان) فأخذت الهواجس المرعبة تؤرقها ليلاً فيجفوها النوم، وتهاجمها الأفكار السود نهاراً فتحيل أيامها إلى مثل الجحيم، فما كانت قادرة على تجاهل الأمر وتناسيه! ماذا لو إزداد المرض إنتشاراً؟ وكيف إذا لم تشف منه أبداً...
وظلت هذه البقع منتشرة على وجهها وبشرتها هكذا؟ إلى متى تبقى تنظر إلى مساحيق التجميل وإلى الثياب الجميلة نظرة تأسف وتحسر؟! لشد ما تتمنّى أن تلبس ثوبها الأحمر الرقيق، وتتمشى به في الشارع بكامل زينتها!... واشتد تكالب العذاب عليها، واكتظ قلبها بالحقد والحنق، وأخذت تصب لعناتها على المرض والأطباء والناس أجمعين... ونظرت إلى صورتها في المرآة، فرأت وجهها الخالي من كل شيء إلا من المرض وإمارات الأسى العميق... تمنت لو أنها تعود إلى الوراء، فترى صورتها السابقة في المرآة خالية من هذا المرض! تمنت لو تتجاوز ساعة الحاضر لتعود القهقري!... آه!.. تنهدت بحسرة وألم... إنها لا تستطيع... فالعجلة لا تدور إلا إلى الأمام بلا توقف وبلا نكوص!... وكبرت أوهامها، وتعاظم همها... كيف ستكون حياتها إذا بقى المرض في جسمها.. وأصبح مرضاً مزمناً بلا علاج؟
ستصبح قبيحة منبوذة! ستفقد إعجاب الناس! وسوف يحتقرونها! ولن يبالي بها أحد سيقولون عنها إنها ليست متحضرة، ليست عصرية! ستخسر شبابها وحياتها مع جمالها الآفل!...
غطت وجهها بيديها لئلا تنظر إلى المرآة. إنها لا تريد أن ترى صورتها أبداً.. كل شيء يذكرها بالماضي العذب... كل شيء حولها يعيد إليها الذكرى.. شعرت بإنقباض في صدرها.. بالضيق... ثمّة شيء يكاد يعصرها عصراً... وعاد الغضب يشتغل في قلبها مرّة أخرى، وبعصبية مدت يديها إلى مساحيق التجميل والعطور ورمتها إلى الأرض.. فتكسر بعض زجاجات العطور الثمينة! ألقت برأسها المثقل على مجلة الأزياء وأجهشت بالبكاء.. كل شيء كان ساكناً.. الهواء.. الغرفة.. الشارع القريب الذي خلا من المارة في قيظ الظهيرة!... فضاعف هذا السكون من وحشتها ومن شعورها بالأسى.. لقد غلبها المرض وانتزعها من سير حياتها الرتيبة.. ها هو يغتالها بسهولة، فلماذا؟ لأنها واهنة، ضعيفة تعتصم بالقشور الخاوية ولا تفكر يوماً باللب أبداً.. فقيم الحياة عندها هي هذه القشور فقط.
آه... ما أحلك ظلمة الحياة في عيني!. ما أشد وحشتي وضياعي! ما هذا العذاب!. أحترق، أموت ببطء.. أنفاسي تتردد ولكني ميتة.. لقد تهدمت أمنياتي وأطيح بصرح جمالي! ترى من ذا سيذكرني بعد الآن؟. يا إلهي.. ليتني لم أخلق أبداً.. لم خلقت؟ أ لأتعذب؟ لم خلقنا؟ أيلهو بنا المرض.. فنعيش نفتقد التقدير والإحترام؟ هل جئنا ليباغتنا المرض فيطوح ببنيان أمانينا؟ لم خلقنا؟
وفجأة تذكرت (أنفال) صديقتها ألتي رأتها في عيادة الطبيب. كانت تقول لها أشياء جديدة عليها. كانت تقول: (إننا خلقنا لنكون خلفاء في الأرض، نجسد المثل الموكلة إلينا، ونطبق النظم السماوية التي أسندها الله تعالى إلينا. إن على كل فرد أن يكون إنساناً يتعالى عن الحيوان بالمثل والقيم السامية، وبجوهره وسلوكه، وبذلك يكون خيراً من الملائكة، بل عبداً يتباهى به الله أمام الخلائق... كل الكائنات تموت، الإنسان.. الحيوان الأشجار، كل في حينه، ولكن المثل والمباديء السامية لا تموت أبداً مادام هناك من يحملها على هذه الأرض. أنها خالدة، وبخلودها يخلد أصحابها!).
رفعت رأسها.. استنشقت عبير الرائحة الزكية التي انشرت في أجواء الغرفة من زجاجات العطور المتكسرة.
كانت قد التقت (أنفال) في غرفة الإنتظار، لكنها تحاشتها في البدء ولم تكن لديها رغبة بالحديث معها أو مع غيرها، لكن الإنتظار كان مملاً لكليهما، فبدأت (أنفال) الحديث عن المرض الذي أصيبت به وتمنّت لها الشفاء العاجل والسريع، فأثلجت صدر (ندى) هذه المنية، وكان الوقت لا يزال مبكراً على موعد الفحص، فتبادلا فيه حديثاً طويلاً... لا تذكر (ندى) كل شيء، لكن بعض الأمور انطبعت في ذاكرتها على شكل شريط تسجيل متقطع.. قالت لها (أنفال) كلاماً كثيراً: (لا شك أن جمال الوجه والقوام والزينة أمور محببة إلى كل نفس، وكل نفس تعشق الجمال، لأنّ الذي نفخ فيها من روحه جميل يحب الجمال.. ولكن.. لِمَ نحصر كل تفكيرنا في أن تكون صورة وجوهنا هي الأجمل؟ لم لا نفكر بأن نجعل من صورة نفوسنا هي الأجمل؟! ولم لا نجعل جمال النفس مقدماً على جمال الوجه؟ هل مقاييس التفاضل قائمة على صورة الوجه فحسب؟!
إنّ الله تعالى لا ينظر إلى ألوانكم ولا إلى صور وجوهكم، ولكنه ينظر إلى نفوسكم وقلوبكم. إننا خلقنا على صورة معيّنة، ولا مندوحة لنا عن الرضا بقسمات وجوهنا، وألوان بشرتنا، وتناسق قاماتنا، لأنّنا لا نملك تغييرها، لكننا قادرون على (تجميل) نفوسنا و(تنسيق) سلوكنا... إنّ الزينة والأزياء أشياء لذيذة عند المرأة عموماً، ولكننا يجب ألا نعطي لهذه الأمور الأولوية في شؤوننا وننفق عليها الكثير في إعلامنا وصحفنا، في الوقت الذي تبقى فيه المرأة المسلمة أمية لا تعرف حروف الهجاء.. لم تفكر المرأة المسلمة في إظهار وجهها وقوامها وهيئتها بنسق عصري يتفق مع (الموضة) الحديثة، قبل أن يتفق مع مبادئ ديننا العزيز؟! إنّ الجميلة للأسف لم تصن جمالها.. إنّها تبيعه بالمجان، بل هي تعرضه عرضاً شائناً، ولشدّ ما يسرها أن تجذب إليها أنظار الرجال، ولشدّ ما تفرح حينما تراهم يأكلونها أكلاً بعيونهم.. وهي الريحانة التي تهزّها النسائم الخفاف.. لو أننا نطهر نفوسنا من الشوائب مثلما نفكر في إزالتها من وجوهنا لكان في ذلك الخير الوفير لنا ولغيرنا. فقد يمكن إخفاء صورة الوجه تحت قناع المساحيق والأصباغ، ولكن صورة النفس لا يمكن إخفاؤها أبداً، لأنها تنكشف في السلوك والعمل.. نحن لضعف بصائرنا لا نبصر إلا صورة وجوهنا في الدنيا، أمّا في الآخرة فنحن لا نجني إلا ثمار أعمالنا.. والجميل جميل بعمله وسلوكه، وجميل في مقامه الأخير في جنات ونعيم).
دقّت ساعة الحائط الثالثة بعد الظهر. أفاقت من شرودها.. تذكرت موعدها مع الدكتورة.. انتفضت من مكانها وغيّرت ثيابها وتركت البيت مسرعة.. لحظات وإذ بـ(ندى) تتوقف عن المسير.. ثمّ تعود من حيث أتت وتدخل غرفتها ثانية!! تُرى هل نسيت شيئاً؟ كلا لا يبدو أنها قد نسيت شيئاً.. أغلقت الباب.. فبانت صورتها في المرآة.. وبخطى وئيدة تقدمت نحوها.. حملقت فيها وحدّقت إلى صورتها.. كانت حتى تلك اللحظة ماتزال تشعر بحرارة الجو في الخارج تلفح وجهها... أتراها عادت فراراً من الحر إمتثالاً لنصيحة الدكتورة بأن تتجنّب الشمس والحرّ الشديد؟ أنها ترى في صورة المرآة... وقد تضرّج خدّاها بحمرة قانية.. (هذه هي مرآة الوجوه، أمّا مرآة النفوس في الآخرة فهي في أعمالنا في الدنيا). كانت هذه هي كلمة (أنفال) الأخيرة. لبثت صامتة تداري في نفسها الكثير من الأفكار... ولأوّل مرّة شعرت بأنّها أمسكت بساعة من ساعات الزمن أوشكت على الفرار نحو الأبدية.. (ما اسمك؟ ندى. يا له من اسم جميل! أتمنّى أن تكوني مثل قطرة الندى يستوي ظاهرها وباطنها على الطّهر والصفاء والنقاء).
أنّها لا تتذكر من قال لها هذا.. آه، نعم، إنها الدكتورة... هذا ما قالته لها حينما كلّمتها عن مرضها وهواجسها وأوهامها المتعاظمة.. إنّ قطرات الندى طاهرة ونقية وصافية أيضاً.. هل أنا مثل قطرات الندى.. آه.. يا لخسارتي وضلالي!..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قـــــطــــ ـــــــرات الــنــد ــى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى كفرعين  :: منتدى الادب والشعر :: الشعر والقصائد-
انتقل الى: